فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويجوزُ أن يكون {اتَّخذَ} متعديةً لاثنين بمعنى صَيَّرَ فيكون: {مِنْ حُلِيِّهم} هو المفعول الثاني.
وقال أبُو البقاءِ: وهو محذوفٌ، أي: إلهًا ولا حاجة إليه.
والحَلْيُ: اسم لما يُحَسَّن به من الذَّهبِ والفضَّةِ.
و{جَسَدًا} فيه ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنَّهُ نعتٌ.
الثَّانِي: أنَّهُ عطفُ بيان، والثالثُ: أنَّهُ بدلٌ قاله الزمخشريُّ، وهو أحسنُ؛ لأنَّ الجسد ليس مشتقًا، فلا يُنْعَتُ به إلا بتأوُّلٍ، وعطفُ البيان في النكراتِ قليلٌ، أو ممتنع عند الجمهور، وإنَّما قال: {جَسَدًا} لئلاَّ يُتوهَّمَ أنَّهُ كان مخطوطًا، أو مرقومًا.
والجسد: الجثة.
وقيل: ذات لحم ودمٍ.
قوله: {لَهُ خُوَارٌ} في محل النَّصْبِ نعتًا لـ {عِجْلًا}، وهذا يُقَوِّي كون {جَسَدًا} نعتًا؛ لأنه إذا اجتمع نعتُ وبدلٌ قُدِّم النَّعْتُ على البدلِ، والجمهورُ على خُوَارٌ بخاء معجمة وواو صريحة، وه صوتُ البقرِ خاصّةً، وقد يُسْتَعَارُ للبعير، والخَوَرُ: الضَّعْفُ، ومنهُ أرْضٌ خَوَّارةً وريح خوار والخورانُ: مجرى الرَّوث، وصوت البهائم أيضًا.
وقرأ عليٌّ وأبُو السَّمَّال: جُؤار بالجيم والهَمْز، وهو الصَّوت الشديد.
قوله: {ألَمْ يَرَوْا} إن قلنا: إنَّ اتَّخَذَ متعدية لاثنين، وإنَّ الثَّاني محذوفٌ، تقديره: واتَّخَذَ قوم موسى من بعده من حليهم عِجْلًا جَسَدًا إلهًا، فلا حاجة حينئذ إلى ادِّعاءِ حذف جملة يتوجَّه عليها هذا الإنكارُ، وإن قلنا: إنَّها متعدية لواحد بمعنى: صَنَعَ وعَمِلَ أو متعدية لاثنين، والثاني هو: مِنْ حُليِّهِمْ فلابد مِنْ حذفِ جملة قبل ذلك، ليتوَجَّه عليها الإنكار، والتقدير: يعبدوه، ويَرَوْا يجوز أن تكونَ العِلْمِية، وهو الظَّاهرُ وأن تكون البصرية، وهو بيعدٌ.
قوله: {اتخذوه وَكَانُواْ ظَالِمِينَ}.
يجُوزُ فيها وجهان:
أظهرهما: أنَّهَا استئنافيةٌ، أخبر عنهُم بهذا الخبر وأنه دَيْدنهُم وشأنهُم في كلِّ شيء فاتَّخاذُهم العجلَ من جملة ذلك، ويجوزُ أن تكون حالًا، أي: وقد كانُوا، أي: اتَّخَذُوه في هذه الحالِ المستقرَّةِ لهُم وعلى هذا التفسير المتقدم. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ}.
لم يُطَهِّر قلوبَهم- في ابتداء أحوالهم- عن توهم الظنون، ولم يتحققوا بخصائص القِدَمِ وشروط الحدوث، فعثرت أقدام فكرهم في وهاد المغليط لما سلكوا المسير.
ويقال إن أقوامًا رضوا بالعِجْلِ أن يكونَ معبودَهم متى تشم أسرارُهم نسيمَ التوحيد؟ هيهات لا! لا ولا مَنْ لاحظ جبريلَ وميكائيلَ والعرشَ أو الثَّرى، أو الجِنَّ أو الورى. وإِنَّ مَنْ لَحِقَه ذلك أو وجد من قبيل ما يقبل نعوت الحدثان، أو صحَّ في التجويز أن ترتقي إليه صواعد التقدير وشرائط الكيفية فغيرُ صالحٍ لاستحقاق الإلهية.
ويقال شتَّان بين أمة وأمة! أمة خرج نبيهم عليه السلام من بينهم أربعين يومًا فعبدوا العِجْلَ، وأمة خرج نبيُّهم عليه السلام من بينهم وأَتَى نيف وأربعمائة سنة فمن ذكر بين أيديهم أن الشموس والأقمار أو شيئًا من الرسوم والأطلال تستحق الإلهية أحرقوه بهممهم.
ويقال لا فصلَ بين الجسم والجسد، فكما لا يصلح أن يكون المعبود جسمًا لا يصلح أن يكون متصفًا بما في معناه، ولا أن يكون له صوت فإن حقيقة الأصوات مُصَاكَّةُ الأجرام الصلبة، والتوحيد الأزلي ينافي هذه الجملة.
ويقال أَجْهِلْ بقوم آمنوا بأن يكونَ مصنوعُهم معبودَهم! ولولا قهر الربوبية وأنه تعالى يفعل ما يشاء- فأَيُّ عقلٍ يُقِرُّ مثل هذا التلبيس؟!
قوله جلّ ذكره: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}.
جعل من استحقاقه نعوت الإلهية صحة الخطاب وأن تكون منه الهداية، وهذا يدل على استحقاق الحق بالنعوت بأن متكلِّمٌ في حقائق آزاله، وأنه متفرِّد بهداية العبد لا هاديَ سواه. وفيه إشارة إلى مخاطبة الحق سبحانه وتكليمه مع العبد، وإنَّ الملوكَ إذا جلَّتْ رتبتهم استنكفوا أن يخاطبوا أحدًا بلسانهم حتى قال قائلهم:
وما عَجَبٌ تناسي ذِكْرِ عبدٍ ** على المولى إذا كَثُرَ العبيدُ

وبخلاف هذا أجرى الحقُّ- سنَّتَه مع عباده المؤمنين، أما الأعداء فيقول لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] وأمَّا المؤمنون فقال صلى الله عليه وسلم: «ما منكم إلا يكلمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان»، وأنشدوا في معناه.
وما تزدهينا الكبرياءُ عليهمُ ** إذا كلَّمونا أن نكلمهم مَرَدَّا

قال تعالى:- {قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (149):

قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا في سياق {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} فأنتج أن من كذب على هذه الصفة أهلك، فانتظر السامع الإخبار بتعجيل هلاكهم، أخبر بأنه منعهم من ذلك وحرسهم المبادرة بالتوبة، ولما اشتد من تشوف السامع إليه، قدمه على سببه وهو رجوع موسى عليه السلام إليهم وإنكاره عليهم، ولأن السياق في ذكر إسراعهم في الفسق لم يذكر قبول توبتهم كما في البقرة؛ ولما كان من المعلوم أنهم تبين لهم عن قرب سوء مرتكبهم لكون نبيهم فيهم، عبر بما أفهم أن التقدير: فسقط في إيديهم، وعطف عليه قوله سائقًا مساق ما هو معروف: {ولما سقط} أي سقطت أسنانهم {في أيديهم} بعضها ندمًا سقوطًا كأنه بغير اختيار لما غلب فيه من الوجد والأسف الذي أزال تأملهم ولذلك بناه للمفعول {ورأوا أنهم قد ضلوا} أي عن الطريق الواضح {قالوا} توبة ورجوعًا إلى الله كما قال أبوهم آدم عليه السلام {لئن لم يرحمنا ربنا} أي الذي لم يقطع قط إحسانه عنا فكيف غضبه ويديم إحسانه {ويغفر لنا} أي يمحو ذنوبنا عينًا وأثرًا لئلا ينتقم منا في المستقبل {لنكونن من الخاسرين} أي فينتقم من بذنوبنا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنهم اتفقوا على أن المراد من قوله: {سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} أنه اشتد ندمهم على عبادة العجل واختلفوا في الوجه الذي لأجله حسنت هذه الاستعارة.
فالوجه الأول: قال الزجاج: معناه سقط الندم في أيديهم، أي في قلوبهم كما يقال حصل في يديه مكروه، وإن كان من المحال حصول المكروه الواقع في اليد، إلا أنهم أطلقوا على المكروه الواقع في القلب والنفس كونه واقعًا في اليد، فكذا هاهنا.
والوجه الثاني: قال صاحب الكشاف: إنما يقال لمن ندم سقط في يده لأن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده غمًا، فيصير ندمه مسقوطًا فيها، لأن فاه قد وقع فيها.
والوجه الثالث: أن السقوط عبارة عن نزول الشيء من أعلى إلى أسفل، ولهذا قالوا سقط المطر، ويقال: سقط من يدك شيء وأسقطت المرأة، فمن أقدم على عمل فهو إنما يقدم عليه لاعتقاده أن ذلك العمل خير وصواب، وأن ذلك العمل يورثه شرفًا ورفعة، فإذا بان له أن ذلك العمل كان باطلًا فاسدًا فكأنه قد انحط من الأعلى إلى الأسفل وسقط من فوق إلى تحت، فلهذا السبب يقال للرجل إذا أخطأ: كان ذلك منه سقطة، شبهوا ذلك بالسقطة على الأرض، فثبت أن إطلاق لفظ السقوط على الحالة الحاصلة عند الندم جائز مستحسن، بقي أن يقال: فما الفائدة في ذكر اليد؟ فنقول: اليد هي الآلة التي بها يقدر الإنسان على الأخذ والضبط والحفظ، فالنادم كأنه يتدارك الحالة التي لأجلها حصل له الندم ويشتغل بتلافيها، فكأنه قد سقط في يد نفسه من حيث أن بعد حصول ذلك الندم اشتغل بالتدارك والتلافي.
والوجه الرابع: حكى الواحدي عن بعضهم: أن هذا مأخوذ من السقيط وهو ما يغشى الأرض بالغدوات شبه الثلج.
يقال: منه سقطت الأرض كما يقال: من الثلج ثلجت الأرض وثلجنا أي أصابها الثلج، ومعنى سقط في يده أي وقع في يده السقيط، والسقيط يذوب بأدنى حرارة ولا يبقى، فمن وقع في يده السقيط لم يحصل منه على شيء قط فصار هذا مثلًا لكل من خسر في عاقبته ولم يحصل من سعيه على طائل، وكانت الندامة آخر أمره.
والوجه الخامس: قال بعض العلماء: النادم إنما يقال له سقط في يده، لأنه يتحير في أمره ويعجز عن أعماله والآلة الأصلية في الأعمال في أكثر الأمر هي اليد.
والعاجز في حكم الساقط فلما قرن السقوط بالأيدي علم أن السقوط في اليد إنما حصل بسبب العجز التام ويقال في العرف لمن لا يهتدي لما يصنع، ضلت يده ورجله.
والوجه السادس: إن من عادة النادم أن يطأطىء رأسه ويضعه على يده معتمدًا عليه وتارة يضعها تحت ذقنه، وشطر من وجهه على هيئة لو نزعت يده لسقط على وجهه فكانت اليد مسقوط فيها لتمكن السقوط فيها ويكون قوله سقط في أيديهم بمعنى سقط على أيديهم، كقوله: {وَلأَصَلّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النخل} [طه: 71] أي عليها، والله أعلم.
ثم قال تعالى: {وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ} أي قد تبينوا ضلالهم تبيينًا كأنهم أبصروه بعيونهم قال القاضي: يجب أن يكون المؤخر مقدمًا لأن الندم والتحير إنما يقطعان بعد المعرفة فكأنه تعالى قال: ولما رأوا أنهم قد ضلوا سقط في أيديهم لما نالهم من عظيم الحسرة، ويمكن أن يقال إنه لا حاجة إلى هذا التقديم والتأخير، وذلك لأن الإنسان إذا صار شاكًا في أن العمل الذي أقدم عليه هل هو صواب أو خطأ؟ فقد يندم عليه من حيث أن الإقدام على ما لا يعلم كونه صوابًا أو خطأ فاسدًا أو باطلًا غير جائز، فعند ظهور هذه الحالة يحصل الندم، ثم بعد ذلك يتكامل العلم ويظهر أنه كان خطأ وفاسدًا وباطلًا فثبت أن على هذا التقدير لا حاجة إلى التزام التقديم والتأخير.
ثم بين تعالى أنهم عند ظهور هذا الندم وحصول العلم بأن الذي عملوه كان باطلًا أظهروا الانقطاع إلى الله تعالى ف {قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} وهذا كلام من اعترف بعظيم ما أقدم عليه وندم على ما صدر منه ورغب إلى ربه في إقالة عثرته، ثم صدقوا على أنفسهم كونهم من الخاسرين إن لم يغفر الله لهم، وهذا الندم والاستغفار إنما حصل بعد رجوع موسى عليه السلام إليهم، وقرئ: {لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا} بالتاء {وَرَبُّنَا} بالنصب على النداء، وهذا كلام التائبين كما قال آدم وحواء عليهما السلام: {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا}. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} يعني ندموا على ما صنعوا.
يقال: سقط في يده إذا ندم.
وأصله أن الإنسان إذا ندم جعل يده على رأسه.
{وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ} أي علموا أنهم قد ضلوا عن الهدى {قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا} قرأ حمزة والكسائي {لَئِن لَّمْ} بالتاء على معنى المخاطبة رَبَّنَا بالنصب يعني: يا ربنا.
وقرأ الباقون {قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا} بالياء وضم الباء على معنى الخبر.
{وَيَغْفِرْ لَنَا} بعد التوبة عطف على قوله: {لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا} {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} يعني: من المغبونين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} أي ندموا على عبادة العجل وهذا من فصيحات القرآن.
والعرب تقول لكل نادم أو عاجز عن شيء: سقط في يديه وأسقط، وهما لغتان وأصله من الاستئسار وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره فيكتفه، والمرمي فيه مسقوط في يد الساقط.
{وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا} يتب علينا ربنا {وَيَغْفِرْ لَنَا} ويتجاوز عنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} بالعقوبة. اهـ.